رؤى وزوايا / العالم العربي والمخاض الصعب
العالم العربي والمخاض الصعب
جريدة "الجريدة" الكويتية
الاثنين 11 نوفمبر 2013
كتب المقال: أمين الجميل
يصعب على المواطن في العالم العربي، مسؤولاً كان أو مواطناً عادياً أو معنياً بالشأن العام، أن يقف متفرجاً على المتغيرات الجارية في أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه من المبكر توصيف هذا الحراك، سلباً أو إيجاباً، لأنه لم يستقر بعد على حال، واستحضار تجارب مشابهة من التاريخ يثبت أن الحكمة تقتضي التروي في إطلاق الأحكام والمواقف.
إلا أن الحذر من الحكم على الأحداث الجارية لا يعني أبداً الحذر من مطالب الشعوب المنتفضة على الاستبداد والرافضة لعقود طويلة من القهر والتهميش السياسي والاقتصادي، بل الحذر من أن أغلبية المنتفضين، وإن كانت تعرف ما لا تريده، فهي في حالات كثيرة لا تدرك ما تريده.
لا تزال الأوضاع رمادية في عدد من الدول التي شهدت ثورات شعبية في إطار ما عرف بالربيع العربي، وتكاد الثورات تقتصر على المطالبة بالحرية والديمقراطية دون تطبيق فاعل لهذه المفاهيم، إذ يخيل في كثير من الأحيان أنها أضحت أشبه بشعارات خاوية ينادى بها فقط دون وجود أي صدى لها في الوعي العربي، ما يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام مخاض صعب ستمر به هذه الثورات لترسو على صيغة بديلة للأنظمة المخلوعة.
ويمكن اختصار ملامح المشهد العربي اليوم، بعد ما يقارب السنوات الثلاث على بدء "اليقظة العربية" أو الربيع العربي أو الحراك العربي الشعبي في أكثر من مكان، في التالي:
- تشدد ديني غير مسبوق أدى إلى تجاذب طائفي ومذهبي في الغالب ومع الأقليات القومية في بعض الدول.
- تعدد القوى المتشددة غير الديمقراطية والتي تتقن التدمير والقتل والخطف، وهي باختصار المنظمات التي تعتمد الإرهاب وسيلة للتغيير السياسي، دون أن يكون لها رؤية سياسية للمستقبل.
- تجاوز التشدد الإسلامي الحدود الجغرافية أكثر فأكثر.
- ظهور العنف بأبشع مظاهره، لاسيما في حالتي ليبيا وسورية، وبعض ما شهدته مصر مع بروز مشكلة الإخوان المسلمين.
- ضمور المطالب الرئيسة للمواطنين في الوقت الذي تشهد فيه هذه الدول أوضاعاً اقتصادية ومعيشية ومالية تلامس حد انهيار الاقتصاد الوطني.
وفي السياق نفسه، لابد من التوقف أمام قوى وهيئات في عدد من الدول أطلقت مواقف لافتة وجديرة بالاهتمام في مواجهة تمدد الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، محذّرة من تمدد هذه الظاهرة، مع الدعوة إلى قيام الدولة الوطنية والمدنية ونبذ التجاذب المذهبي وتفعيل المواطنة.
كيف نقرأ هذا المشهد؟
يواجه العالم العربي خطرين: الأول بروز قوى غير ديمقراطية دينية متشددة أو عسكرية مستبدة، دون أن تكون بالضرورة ذات قدرة تمثيلية راجحة، بل تعد أقلية ناشطة ومنظمة قادرة على ترويج الانطباع بأنها تمثل أغلبية الشارع.
أما الثاني فهو انهيار اقتصادي يحتم الحاجة الى نهوض اقتصادي واجتماعي.
أمام هذا المشهد ما الذي يمكن القيام به في وقت لاتزال النزاعات في أكثر من مكان على أشدها؟ وكيف نضمن نشر مبادئ الديمقراطية والحرية والتعددية في عالمنا العربي؟
إن المساهمة في كل ما من شأنه تسوية النزاع أمر في غاية الأهمية، لكن الأكثر أهمية أيضاً هو التهيئة لمرحلة ما بعد النزاعات، أولاً لتأمين الوقاية من تجدد الخلافات وتحولها من جديد إلى أزمات كبيرة أو حروب أهلية، وثانيا للعمل على إنشاء دول مدنية ديمقراطية حديثة، تكون المواطنة الرابط الجامع بين سكانها.
لا تقل مرحلة ما بعد الحرب أهمية عن عملية وقف الحرب. وفي الوضع العربي الراهن، ينبغي أن تعطي المعالجة الأولوية لأمرين: الأول محاربة التشدد الديني في وجوهه كافة نظراً لخطورته في منع قيام بلدان ديمقراطية تعددية تتبع مبدأ تداول السلطة، والثاني هو محاربة الفقر والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بأشكاله المختلفة، إضافة إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب من إمكانات وقدرات وبنى تحتية... ومعالجة نتائج الحرب على الصُّعُد الاجتماعية والتربوية والثقافية.
وفي هذا السياق، يبرز السؤال الأهم: ما هي الجهة أو الجهات القادرة على القيام بهذه المهمة شبه المستحيلة؟ وهل القوى والطاقات المحلية قادرة ومهيأة للقيام منفردة بمثل هذه النهضة في ظل ما تحتاجه من إمكانات مادية وخبرات علمية وتجارب عديدة يصعب توفرها مجتمعة في منطقتنا؟
الإجابة الفورية أن العبء الرئيس يجب أن يكون محلياً أولاً وإقليمياً ثانياً٬ لأننا أدرى بمشاكلنا وأقدر على اجتراح الحلول التي تنسجم مع واقعنا.
لكن من المفيد أيضاً أن تشارك الدول الديمقراطية العريقة في الخارج إلى جانب المؤسسات والمنظمات غير الحكومية في هذه العملية على أساس الشراكة لا الوصاية. هذه الشراكة نراها تكاملية مع الخارج بقطاعيه العام والخاص، تهدف إلى وضع رؤية شاملة بشقين لمواجهة المشكلتين الرئيستين اللتين تواجهان عالمنا العربي، وتؤسس لإنشاء صندوق عربي يعنى بالتخطيط والتمويل على مستوى المنطقة.
ويمكن ايجاز مكونات هذه الخطة في الآتي:
في السياسة
- محاربة الديكتاتورية عبر العمل على تعزيز المؤسسات الديمقراطية وأشكال عملها.
- شراكة بين القوى الديمقراطية في الداخل والخارج لمحاربة قوى التشدد والتعصب والاستبداد.
- تعزيز فكرة المواطنة كبديل عن الانتماءات المذهبية والطائفية والقومية من خلال القدرة على قبول الآخر والمساواة بين المواطنين بمعزل عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس.
- تلازم الاستقرار مع الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية.
- نشر ثقافة الديمقراطية، وتلعب وسائل الإعلام في هذا المجال دوراً رئيساً.
في الاقتصاد والاجتماع
- اعتماد التخطيط وإعادة بناء ما تهدم على أسس حديثة مدروسة.
- محاربة الفقر عبر بنية اجتماعية واقتصادية وتعزيز فرص العمل للشباب المصدر الدائم لعدم الاستقرار والتطرف.
- محاربة الأمية بشقيها التقليدي والحديث.
- العمل على تحقيق تكامل اقتصادي وشراكة اقتصادية بين الدول العربية.
- وضع سياسة لتوفير الرعاية الصحية كما قضايا حماية البيئة.