الجميّل لـ «الراي»: التجربة أظهرت استحالة فوز عون أو جعجع بالرئاسة
حوار / الرئيس اللبناني السابق وصف بالـ «هرْطقة» الكلام عن وجوب اتفاق المسيحيين على مرشح
20 نوفمبر 2014
| بيروت - من وسام ابو حرفوش وليندا عازار
• العائق أمام جعجع وعون للوصول إلى الرئاسة شخصي أكثر منه سياسي في ضوء التجارب والتاريخ
• «التيار الحر» اختصاصه اختراع «بدعة» في كل مناسبة ليُلهوا الناس بها والتمويه وإيجاد مبررات للتعطيل
• السيد حسن أصرّعلى أن عون هو مرشح «حزب الله» بينما يعرف أن هناك استحالة لانتخابه
• حل الأزمة الرئاسية ليس قريباً ونحن أمام «غنج» سياسي قاتِل
ربطة عنقه السوداء علامةٌ فارقة لم تعد تفارقه منذ اغتيال نجله الأكبر النائب والوزير بيار الجميل عشية ذكرى الاستقلال في 21 نوفمبر 2006. فجرحه لم يندمل بعد، وكلما تردّد اسم هذا الشاب الذي خطفه كاتم الصوت في وضح النهار وفي عزّ عطائه، بحّ صوته ودمعت عيناه.
انه الرئيس اللبناني السابق، ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الشيخ امين الجميل، ابن الـ 72 عاماً الذي أمضى حياته في المعترك السياسي، في صفوف حزبه، وفي موقع المسؤولية التي تدرّجت
من النيابة الى الوزارة قبل ان يُنتخب رئيساً للجمهورية للفترة من 1982 الى 1988.
ويُعتبر الجميل أحد أقطاب تحالف «14 آذار» و«مرشحاً طبيعياً» لرئاسة الجمهورية التي تعاني شغوراً منذ نحو ستة اشهر، وهو حريص على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع غالبية القادة اللبنانيين، لكنه يستشعر ومنذ أمد خطراً على لبنان، الصيغة والكيان والدور.
في مكتبه في بيت الكتائب المركزي في الصيفي وسط بيروت التقت»الراي»الجميّل في حوارٍ تناول قضايا الساعة في لبنان القابع بين ناريْن... ازماته الداخلية المتعاظمة في ضوء المأزق السياسي والدستوري، وطوفان النار في المنطقة وارتداداتها على لبنان... وفي ما يأتي نص الحوار:
* استعادت المحكمة الدولية حضورها في المشهد اللبناني عبر شهادات بدأت بالنائب مروان حماده ومن المرجح ان تشمل عدداً من السياسيين والاعلاميين... باعتباركم احد قادة الحركة الاستقلالية وأبا لاكثر من شهيد (بيار الجميل وانطوان غانم)، هل ما زلتم على ثقة بالعدالة الدولية وهل يمكن ان نراكم شاهداً في لاهاي؟
- ذهابي الى لاهاي غير وارد في الوقت الحاضر. اما في ما يتعلق بمجريات المحاكمة فعندي ملاحظتان، الاولى ان كل محاكمة تطول تُنسي فظاعة الجريمة. والعدالة إما تاخذ مجراها سريعاً ومن دون تسرُّع او تفقد فاعليتها لجهة العقاب المرتجى وإظهار الحقيقة. والثانية تتمثل في ان ما يحصل امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يساهم في إبقاء الذاكرة حية وهذا امر بالغ الاهمية، اذ في الإجمال نحن كعرب، ذاكرتنا إما انتقائية او سريعة العطَب وهذا ما يجعلنا لا نستخلص عِبر الماضي دروسه. اي ان المحكمة الدولية وكأنها تُبقي محطاتٍ في العقول والنفوس، مع الأمل في ان تصل الى كشف الحقيقة ومَن ارتكب الجرائم ولماذا، فهذا أمر مفيد جداً على الصعيد الوطني كي لا تتكرر المأساة. اما على المستوى الشخصي، فلا يمكن القول ان ما يمكن ان تصل اليه المحكمة يشفي الغليل او يعوّض الخسارة الكبرى او يبلْسم جرح وإن كان يساعد على ذلك، وفي النهاية المهم ان يتوقف مسلسل القتل. ومؤسف انني لا أرى أملاً على المدى القريب في ان ينتهي هذ النوع من المآسي ولا سيما بعد ما شهدناه من فظائع هنا وهناك جراء ما ترتكبه بعض المجموعات المتطرفة التكفيرية.
* هناك انطباع ان الجرائم السياسية التي وقعت في 2005 و 2006 واستمرت بعدها ما زالت تردداتها قائمة بدليل ان البلد لم ينعم بالاستقرار، وأبرز مظاهر عدم الاستقرار شغور موقع رئاسة الجمهورية منذ 25 مايو الماضي... هل انتم متوجّسون من بقاء الوضع اللبناني»في الحفرة«على هذا الصعيد؟
- لا شك أننا أمام وضع خطير جداً ولا سيما لجهة مسؤولية بعض اللبنانيين عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي. فأياً تكن المعطيات الخارجية ضاغطة كما يدّعي البعض ذلك، يبقى على اللبنانيين ان يتحمّلوا مسؤولياتهم، ولا يجوز في اي شكل وتحت اي ظرف ان يكون هناك عنصر لبناني يعطّل مسيرة وطنية ودستورية وقانونية وسياسية ومؤسساتية كما نرى اليوم، فهذه خطيئة لا تُغتفر، لان انعكاس هذا التعطيل خطير على اربعة مستويات: الاول الشراكة الوطنية اذ هناك مؤسسة مغيّبة وهي جزء أساسي من التركيبة الميثاقية في البلد. والثاني فاعلية المؤسسات الدستورية بدليل ما نراه منذ حصول الشغور الرئاسي من مجلس نوابٍ معطّل الى حد بعيد وعمل حكومي مشوب بألف علّة وعلّة وسط بدعة اتخاذ القرارات بالإجماع بما يعني شبه تعطيل لآلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء. والمستوى الثالث هو الامني، اذ من الطبيعي عندما تكون المؤسسات شبه مشلولة ان يسود الانفلات الامني او الفلتان، والحمد لله اننا تمكنّا على الأقل من تحصين الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي ومنحهما المظلة الوطنية للقيام بدورهما، الا ان هذا لا يكفي فهو أمر آني، واذا لم يترافق الدعم الوطني مع عمل مؤسساتي محصّن ويسير وفق الأصول الدستورية تبقى هذه التدابير الامنية هشة. اما المستوى الرابع فهو الاقتصادي والاجتماعي، وهنا حدِّث ولا حرَج، من دون إغفال العنصر الضاغط الكبير الذي يشكله نزوح ما يناهز مليون ونصف مليون سوري الى لبنان، اي ما يوازي ثلث عدد سكان لبنان، وهذا يزيد من الأعباء ويكبّد البلد خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة.
ما أقصده ان الأخطار والأعباء والأزمات تتراكم وتتوالد. وفي الوقت الذي نحن في أمسّ الحاجة الى سلطة لبنانية مكتملة وتحظى بمظلّة وطنية وغطاء شعبي، نجد ان هناك ضرباً متعمّداً للمؤسسات عبر تعطيل الاستحقاق الرئاسي من خلال تعطيل نصاب جلسات الانتخاب.
* في وقت مبكّر قمتم بمسعى داخلي عبر جولة على القادة الموارنة، وكنتم حريصين على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة حتى مع الأطراف الآخرين في لبنان، وأطلقتم دينامية معيّنة من خلال حركتكم في اتجاه الخارج. انطلاقاً من خلاصة ما سمعتموه في الداخل والخارج ما الذي يمنع انتخاب رئيس للجمهورية في غمرة كل التحديات الكبيرة التي تحوط بلبنان؟
- كما يقول المثل»يد واحدة لا تصفق»، فمن المؤسف انه رغم كل الجهود التي أبذلها وانا مصمم على الاستمرار في القيام بها من اجل ان تستقر الاوضاع في لبنان وان تستقر مؤسساته على الأقل كونها الخطوة الاولى للاستقرار العام، فاننا نصطدم برغبة التعطيل في جانبيْها الداخلي والخارجي.
وأنا أنظر الى هذا التعطيل، ولا سيما في شقّه الداخلي، كون أدوات التعطيل داخلية لبنانية وإن كانت هناك بعض التأثيرات الخارجية... ان أبسط القواعد في الوطنية وفي الضمير هي إعطاء الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية. فتعطيل النصاب في البرلمان أمر يحمّل المسؤولية للقادة الذين يعطّلون هذا النصاب وتالياً يمنعون انتخاب الرئيس.
لا شك في ان هناك تأثيراً خارجياً وان هناك تداخلاً خارجياً - داخلياً، لكنني أكرّر ان المسؤولية تقع على الداخل الذي عليه ان يتحصن بالحد الأدنى عندما تكون المصلحة الوطنية تقتضي ذلك. فلبنان لا يعيش في جزيرة وهو غير معزول عن مشكلات المنطقة، الا ان المسؤولية البديهية تقع علينا من اجل تحصين بلدنا، وخصوصاً عندما تكون المنطقة في هكذا مخاض، وعلينا تالياً ان نتعظ مما يجري في العالم العربي لتحصين بلدنا.
* ثمة مَن يعتقد ان مشكلة الرئاسة مسيحية، فعندما يتفق المسيحيون على مرشح ما يصبح في الإمكان انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
- هذا كلام هرطقة ثم هرطقة ثم هرطقة. لانه منذ استقلال لبنان العام 1943 لم يلتق المسيحيون على مرشح واحد. وميزة لبنان ان هناك سباقاً ديموقراطياً في موضوع رئاسة الجمهورية. هكذا كان الامر مع التنافس بين بشارة الخوري واميل اده ثم بين كميل شمعون وفؤاد شهاب، وبين ما كان يسمى»الحلف»و»النهج»في مرحلة معينة، وعلينا ان نتذكر ان الرئيس الراحل سليمان فرنجية انتُخب بفارق صوت واحد. وتالياً الكلام عن اتفاق مسبق على الرئيس يتناقض مع كل مستلزمات الديموقراطية والنظام البرلماني بصورة عامة، وتالياً علينا تحمل مسؤولياتنا في النزول الى البرلمان وانتخاب رئيس عملاً بالأصول البرلمانية والقواعد الديموقراطية. والمرشح الذي يحظى بتأييد واسع لكنه لا يضمن فوزه يمكن ان يتفاهم مع كتل اخرى ويتنازل لمرشّح آخر لضمان وصوله، اما ان»نتشبص»ونستغل مواد دستورية - صيغت اساساً لحماية الدستور والمؤسسات - من اجل تعطيل الدستور والمؤسسات والمسار البرلماني الديموقراطي فهذا امر خطير ويتنافى مع ابسط قواعد النظام الديموقراطي - البرلماني.
* الجنرال عون يحاول في ضوء التركيبة اللبنانية وميثاقيتها تكريس معادلة ان يكون الممثل الاقوى عند المسيحيين رئيساً للجمهورية، ما رأيك بهذه المقاربة اولاً وثانياً لماذا لا تسيرون في»14 آذار«بالعماد عون كونه الأقوى مسيحياً؟
- لا علاقة لهذا المنطق بالمفهوم الديموقراطي، ومَن يقرر مَن هو الاقوى هو البرلمان والقوى السياسية المتمثلة في مجلس النواب والتي انتُخب ممثلوها في شكل شرعي وديموقراطي للنيابة عن الشعب، وتالياً علينا ان نحترم الدستور لا ان نعمل على تفسيره استناداً الى طموحات آنية او غرائز او اي شيء آخر، واذا كان ثمة علّة في الدستور فلنعدّله انما في ظل ظرف طبيعي وليس اثناء المعركة الانتخابية.
* تقصد مطالبة العماد عون بتعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب؟
- كنتُ شخصياً تقدمتُ بمشروع يقوم على هذا التوجه في التسعينات لكن الظروف كانت مختلفة. واذا أردنا السير في هذا الاتجاه فهذا يعني ان علينا ان نعدّل في النظام بأسره لان انتخاب الرئيس من الشعب يعني اننا ندفع في اتجاه نظام رئاسي. وأعتقد ان الظرف غير مؤاتٍ اليوم لمثل هذا الخيار لان البلاد لا تحتمل ذلك ولان المشكلات لم تعد ذات طبيعة طائفية بل اتخذت ابعاداً مذهبية ومتطرفة. ولذا أعتقد ان النظام الرئاسي غير متاح اليوم في بلاد كلبنان تعاني ظروفاً معقدة. وتالياً أجد انه من الضمير والوطنية والواقعية ان نسير في اقرب وقت بانتخاب رئيس لديه قاعدة شعبية وقادر على تحمل المسؤولية في هذا الظرف، والطائفة المارونية غنية بهكذا شخصيات يمكن التفاهم حول البعض منها لانتخاب احداها لرئاسة الجمهورية.
* وسط الانطباع بأنه لم يعد من حظوظ لمرشحيْ»الاستقطاب»، اي الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، وخصوصاً بعدما اعلن الامين العام لـ»حزب الله»السيد حسن نصرالله تبني ترشيح الاخير. هل تعتقد ان بإمكانك ان تُحدِث خرقاً ما كـ»مرشح طبيعي»عبر تشكيل كتلة وازنة عابرة للاصطفاف القائم بين»8 و 14 آذار«لضمان انتخابكم؟
- موضوع ترشيحي لا يعود لإرادتي فحسب او لقرار مني. اولاً علينا ان نتفق على احترام اللعبة البرلمانية - الديموقراطية ولا نعمد الى التعطيل لمجرد ان حظوظنا معدومة، وثانياً على الكتل البرلمانية التفاهم في ما بينها على ترشيح من يجسّد أفكار ومواقف تلك الكتل، وثالثاً على المرشح ان يتمكن من الحصول على 50 في المئة زائد واحد من أعضاء مجلس النواب (بعد الدورة الاولى وتوفير نصاب الثلثين). وكل هذه المعطيات تحدد شخصية المرشح القادر على الفوز برئاسة الجمهورية.
* هل تعتبر ان مرحلة مرشحيْ 8 و 14 آذار، اي عون جعجع، طويت؟
- أظهرت التجربة ومعها واقع مجلس النواب، ان هناك استحالة لان يفوز احد المرشحيْن المذكوريْن بثقة الاكثرية البرلمانية، لذلك علينا ان نذهب الى خيار آخر.
* هل تعتبر ان لدى فخامتكم حظوظاً اكثر في الرئاسة ام انكم ترون انكم جزء لا يتجزأ من 14 آذار وتالياً ينطبق عليكم ما ينطبق على جعجع في هذا السياق؟
- أعتقد ان العائق امام الدكتور جعجع او العماد عون شخصي أكثر منه سياسي اي انه لا يرتبط بانتمائهما الى 14 او 8 آذار بقدر ما ان العنصر الشخصي والتجارب والتاريخ هو الذي يشكل المانع أمامهما، وربما هناك شخصيات في 14 و 8 آذار مرموقة وجديرة بالاحترام، الا انها لظروف معينة لم تتقدّم بترشّحها.
* اللافت ان الرئيس نبيه بري دأب في الفترة الأخيرة على الإيحاء ان هناك إشارات إيجابية تتصل بالملف الرئاسي، هل هذا في رأيكم في إطار اثارة»الغبار«لتمرير التمديد للبرلمان ومفاعيله ام ان في تقديركم ثمة شيئاً فعلياً على هذا الصعيد؟
- أتفهم منطلقات الرئيس بري. ومن الطبيعي كرئيس مجلس نوابٍ حريص على حسن سير المؤسسة التشريعية والمسار الديموقراطي في لبنان ان يعمل كل ما بوسعه من اجل ضمان استقرار اوضاع مؤسسة مجلس النواب وان تقوم بما عليها لجهة انتخاب رئيس للجمهورية وتأمين التشريع المطلوب في الوقت الحاضر. كما أتفهم ان يبث الرئيس بري أجواء من التفاؤل والأمل في ما خص الاستحقاق الرئاسي، في حين ان الوقائع تدلّ على ان شيئاً لم يتغير حتى الان كي نتفاءل بحل قريب، فالعماد عون ما زال على موقفه بإصرار وشراسة، والسيد حسن نصرالله أصرّ من جهته على ان العماد عون هو مرشح»حزب الله»بينما يعرف السيد حسن والجنرال عون ان هناك استحالة لانتخاب الاخير وهو ما يؤشر الى ان حل الازمة الرئاسية ليس قريباً. علماً انني قبل فترة تحدثتُ عن»الغنج»السياسي الذي أعتبره قاتلاً على صعيد المصلحة الوطنية.
* في موضوع التمديد للبرلمان، ثمة انطباع ان حزب الكتائب خرج من هذه المعركة خاسراً بالمعنى السياسي بعد فوزين: واحد للتيار الوطني الحر برفضه التمديد وذهابه حتى الطعن به، وثانٍ لـ»القوات اللبنانية»ببروزها كقوة ضامنة للميثاقية وقوة تَوازُن ضمن الساحة المسيحية مع»التيار الحر»؟
- نحن مرتاحون بالكامل لموقفنا من التمديد. ولا أوافق على هذا التقويم للربح والخسارة، وحتى اللحظة الاخيرة كان ثمة تأكيد من»القوات اللبنانية«ان الموافقة على التمديد امر غير منطقي وغير مقبول. فما الذي حصل في اللحظات الاخيرة؟ لست ادري. لكن نحن بقينا منسجمين مع انفسنا. ومن جهة اخرى، التمديد هو نتيجة المسار الخاطئ السائد في البلاد منذ فترة ونتيجة مجموعة هرطقات ادت الى اعتبار البعض ان ثمة ضرورة للتمديد لمجلس النواب. وتالياً الاجماع حول التمديد كان من شأنه ان يشكل موافقة على كل هذا المسار الخاطئ الذي بدأ مع التمديد الاول للبرلمان لـ 17 شهراً وصولاً الى تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية ومجموعة من التدابير غير المنطقية التي اتُخذت بشكل اعتباطي. وتالياً لم يكن منطقياً ان يكون ثمة اجماع حول تمديد هو امتداد لمسار خاطئ. وأعتقد ان ايّ استطلاع رأي سيُظهر بوضوح اشمئزاز الناس من هذا المسار ما يجعل اي موافقة عليه بمثابة تحد لمشاعر الناس وحتى للمصلحة الوطنية ولا سيما اننا اجرينا انتخابات نيابية في ظروف اصعب من تلك التي نمرّ بها اليوم.
* هل تشعرون بانكم خُذلتم من»القوات اللبنانية«التي انتقد رئيسها وزراءكم حتى وأخذ عليهم ايضاً انهم لم يقوموا بالحدّ الاقصى لاجراء الانتخابات في موعدها؟
- سبق ان قلتُ ان مكمن الداء في عمل الحكومة مردّه الى التعطيل المتمادي لانتخابات رئاسة الجمهورية وآلية اتخاذ القرار فيها القائمة على الاجماع. وسأعود بالذاكرة الى مرحلة تشكيل الهيئة العليا للاشراف على الانتخابات النيابية التي تُعتبر شرطاً ضرورياً لاجراء الاستحقاق النيابي ومن شأن عدم تأليفها تعريض الانتخابات برمّتها للطعن.
عندما تمّ بحث هذا الملف في الحكومة وكنا من الساعين والمناضلين والمشجعين على تشكيل هذه الهيئة، حصل اعتراض من»التيار الوطني الحر«على اسماء الاعضاء ومنعوا مجلس الوزراء من تشكيلها. هذا احد عناصر التعطيل التي ادت الى الاطاحة بالانتخابات النيابية.
اما بالنسبة الى اعتراض»القوات اللبنانية«على اداء الحكومة فهو اعتراض في المطلق ويستند الى رفض»القوات«من الاساس المشاركة في هذه الحكومة. لكن من الواضح ان هذه كانت حكومة الضرورة وإلا كنا وقعنا في فراغ لا مثيل له، رغم ان آلية اتخاذ القرار فيها تحمل في طياتها سبل التعطيل المستمر. وتالياً اذا كانت الانتخابات النيابية لم تحصل في موعدها فان احد عناصر هذه الحصيلة ان ثمة وزراء من ضمن الحكومة لديهم نية بالوصول الى الفراغ.
* مع الأخذ في الاعتبار انكم ترون ان 14 آذار هي»كونفدرالية«قوى سياسية تلتقي على مجموعة ثوابت من دون ان تتفق بالضرورة على المقاربات حيال كل الملفات، فان»تيار المستقبل«اي حليفكم الرئيسي الرئيس سعد الحريري كان رافعة التمديد وبلغ حد التلويح بسحب مرشحيه... الم يكن ممكناً بلوغ تفاهم ولا سيما على مسألة التمديد للبرلمان في ظل اعتبار»المستقبل«ان الاولوية للانتخابات الرئاسية؟
- صحيح 14 آذار هي»كونفدرالية»أحزاب وليست وحدة حزبية وهذا واقع، واتفاقنا هو على مبادئ وطنية محددة وليس على التفاصيل. وفي محطات عدة كانت ثمة مقاربات متباعدة واحياناً متناقضة بيننا حيال بعض القضايا. ومثلاً عندما بدأ الشيخ سعد الحريري حواراً مع العماد عون لم نكن نحبّذ هذا الحوار لعلمنا انه سيكون عقيماً وتبيّن اننا كنا على حق. وفي موضوع هيئة الحوار التي دعا اليها الرئيس ميشال سليمان كنا ومن اول الطريق نشجّع على هذا الحوار ووافقنا عليه منذ البداية، فيما كان»تيار المستقبل«يعارض، وكذلك الامر بالنسبة الى»القوات اللبنانية«، ثم اقتنع»المستقبل«وشارك في هذا الحوار وامتنعت»القوات«. وبكل تواضع اتضح تالياً ان»الكتائب«كانت على حق في ذاك الوقت وتبيّن اننا على حق أكثر لأن الحوار نتج عنه»إعلان بعبدا«الذي تتمسك به»القوات اللبنانية«نفسها وهو في اساس برامجها وخطابها الآن. وكذلك الامر في تشكيل الحكومة، اذ كان «تيار المستقبل» و«القوات»يعارضان هكذا حكومة ويطالبان بحكومة تكنوقراط في حين ان الكتائب قالت منذ البداية انه في ظل الوضع الراهن من الصعوبة بمكان ادارة البلد بحكومة تكنوقراط، وفي ما بعد عاد»المستقبل«ووافق على فكرتنا وتشكلت حكومة ساسية وتبين انها كان ضرورية لملء الفراغ الرئاسي.
* كيف يمكن اليوم وصْف العلاقة مع»المستقبل«ولا سيما ان البعض سأل هل تحالف الكتائب مع»المستقبل«هو على السراء والضراء ام انها مجرد علاقة لجني الارباح السياسية؟
- نحن آخر حزب يقوّم سياسته على مبدأ الربح والخسارة. وعندما اتخذنا كل هذه المواقف فهي كانت مواقف صعبة جداً ومكلفة. ومن جهة اخرى هل سألَنا»المستقبل«مثلاً رأينا عندما دخل في مفاوضات»السين - السين«والتي رأينا الى اين ادت؟ ومَن كان على حق وكان يتمسّك بمبادئ 14 آذار ورموزها؟ هل طُلب رأينا عندما انطلقت المفاوضات مع العماد عون؟ والى اين ادت هذه المفاوضات؟ وهنا اؤكد ان ما يجمعنا مع»المستقبل«وسائر الحلفاء في 14 آذار اكبر بكثير مما يفرقنا، اذ تربطنا المبادئ والدم والتضحية والرؤية للبنان، ومواقف الكتائب كانت دائماً موضوعية ومنطقية نابعة فقط من نظرتنا الى المصلحة الوطنية المجردة.
* حضر النائب سامي الجميّل الاجتماع الذي ترأسه بري للجنة درس قانون الانتخاب في حين ان لديكم موقفاً مبدئياً برفض التشريع قبل انتخاب رئيس؟
- (مقاطعاً) الكتائب لا يهمها ولا يحكم مواقفها الا المصلحة الوطنية، ولم نتعود ان نتعاطى الا بشفافية مطلقة. ومنذ البداية قلنا بوضوح ان الاولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية واننا لن نشارك في اي عمل تشريعي باستثناء ما يتعلق بانبثاق السلطة. وقانون الانتخاب هو اساس انبثاق السلطة، ومن هنا مشاركتنا في اللجنة المكلفة متابعة قانون الانتخاب. ومنذ فترة انطلقت بدعة»تشريع الضرورة«وكأنها»المنّ والسلوى«وخلاص البلد. ومنذ البداية قلنا ان تشريع الضرورة هو انتخاب رئيس للجمهورية وكل ما عدا ذلك في غير محله. وهنا أستحضر الى ماذا ادى تشريع الضرورة. القانون الوحيد الذي اقر وفق منطق تشريع الضرورة كان تعديل قانون السير. اي تمخض الجبل فولد فأراً. ما هذا المنطق والى اين يأخذون البلد؟ وهنا نسأل ما هو مفهوم الضرورة وحدودها؟ بمعنى ان تشريع الضرورة مفهوم مطاط ولكل فريق معاييره التي تحدد رؤيته للضرورة. ومن هنا يمكن القول انه جرى ادخال البلد في»هرطقة«. وذُهلت حين تحدّث بعض النواب، ومنهم حلفاء، عن مفهوم تشريع الضرورة وكأنه»اختراع البارود«ولاحقاً تبين ان الضرورة هي تعديل قانون السير.
* طلب عون من بري عقد جلسة للبرلمان لتفسير المادة 24 من الدستور المتعلقة بالمناصفة، وهذا اتى في سياق الكلام عن التمثيل المسيحي وقانون الانتخاب والرئيس الاكثر تمثيلاً للمسيحيين والرئيس القوي. كيف يمكن التعاطي مع مسألة المناصفة وتمثيل الجماعات الطائفية في لبنان؟
-»التيار الوطني الحر«اختصاصه اختراع بدعة في كل مناسبة ليُلهوا الناس بها وللتمويه وايجاد مبررات لتعطيل بعض المسارات والقرارات المهمة. وهنا مثلاً أعود الى مسألة انتخاب الرئيس من الشعب. فبعدما تعطّلت امكانية انتخاب العماد عون رئيساً وقطع الامل بذلك اخترع مسألة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. وفي كل مناسبة يخترعون قضايا من هذا النوع، واليوم يطرحون تفسير المادة 24. لا اريد الدخول في التفاصيل الا ان هذا المسار اذا جرى الاصرار عليه، فان من شأنه ان يكون مدمّراً للميثاق الوطني والنظام اللبناني ولا سيما لجهة التوازنات بين مكونات المجتمع اللبناني، وان يعيد طرح ميزان المشاركة بين هذه المكونات وتالياً يؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها. ونحن في لبنان موزاييك دقيق ولا يمكن التلاعب به كل يوم، واجراء دراسة يومية عن هذه التوازنات وتقويمها، فهذا امر خطير. عندما قال الشيخ سعد الحريري»اوقفنا العدّ«هو كان يعلم تماماً ماذا يقول، وانا اقدّر هذا الكلام لانه يؤكد مبدأ الشراكة بمعزل عن الارقام.
* كان لافتاً ان البطريرك الماروني بشارة الراعي رفع الصوت في الفترة الاخيرة وحذّر من أخطار لها علاقة بمؤتمر تأسيسي ومثالثة وكأن ثمة استشرافاً لأخطار تحوط بالتركيبة والصيغة اللبنانية، هل لديكم الهواجس نفسها؟
- بالطبع نعيش هذه الهواجس منذ فترة طويلة. وفي رأيي ان ليس من مصلحة المسيحيين ان يهوّلوا باستمرار او يطرحوا مسائل من شأنها ان»تخرْبط«على المعادلة الحالية التي هي دقيقة وهشة وقابلة للعطَب اذا استمرينا بالتلاعب بها.
* لم تقطعوا علاقتكم بالايرانيين وانطلاقاً من تواصلكم معهم هل ترون ان ثمة مشروعاً لتسييل فائض القوة الذي يشكله سلاح»حزب الله» على مستوى النظام في لبنان؟
- لا ألوم اي دولة اذا كانت لديها مصالح توسعية، وانا لا أعرف ما هي مصالح ايران ولستُ الآن في وارد الدخول في التفاصيل ولا البحث في أطماع ومصالح هذا او ذاك، وبصراحة أقول ان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشعب اللبناني، فاذا كان غير مؤمن بقضيته ومستعدّ للتضحية بمرتكزات نظامه وقراره الحر وسيادته فلماذا نلوم الآخرين اياً كانوا؟ وتالياً علينا اولا التمسك بقضيتنا وان نؤمن بوطننا ونحافظ على نظامه ونضحي من اجل تحصين لبنان، واذا لم نفعل ذلك لا يمكن ان نلوم الغير اذا طمع ببعض النفوذ على حساب مصالحنا وقضيتنا.