الشرق الأوسط
الرئيسية > الأخبار > العالم العربي > أمين الجميل: تعقّد المشكلة في سوريا سببه التوسع الإيراني.. والدعم السعودي مكّن لبنان من الصمود
لندن: رجينا يوسف
بدعوة من مركز الشرق الأوسط الجديد التابع لجمعية هنري جاكسون في بريطانيا، ألقى أمين الجميل، رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق (1982 - 1988) وزعيم حزب الكتائب، محاضرة ناقش فيها التحديات التي يواجهها القادة العرب في الشرق الأوسط، عن الاحتمالات الثلاثة التي تبرز كخيارات للمنطقة، وهي «الدولة الفاشلة، والدولة الإسلامية ودولة المواطنة.
"الشرق الأوسط» التقت الرئيس الجميل بمناسبة هذه المشاركة، حيث أكد في حواره، أن لبنان ليس دولة طوائفية، وليس بيئة حاضنة للحركات التكفيرية حتى الآن. واعتبر أن الفراغ الرئاسي له علاقة بتعنّت العماد ميشال عون والاستمرار بترشحه، وبدعم حزب الله له، وأن المسيحيين ليسوا هم من تسببوا به.
وقال إن الصراع الحالي في المنطقة بدأ مع نشر إيران نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
* تحدثتم في محاضرتكم عن ثلاثة احتمالات للمنطقة: أين لبنان من هذه الاحتمالات؟
- عنوان المحاضرة هو وصف لواقع أكثر من كونه تقديرا شخصيا، لأنه من الواضح أن ما يحصل الآن في العالم العربي هو غريب ومثير، سواء في العراق وسوريا أو في ليبيا واليمن، وهو أمر مخيف؛ حيث نشاهد نوعا من انتحار جماعي في هذه البلاد، وكذلك هناك أمثلة مشجعة تحصل في بعض الدول العربية الأخرى، اختصرتها بثلاثة أمثلة، هي لبنان وتونس والأردن. وتحدثت عن قدرة الدول على التخلص من مخاطر السقوط في خيار تنظيم داعش، التي قد تكون بالنسبة إلى البعض بديلا عن الفوضى القائمة في هذه الدول. كما حذرت من العودة إلى منطق الديكتاتوريات الذي كان سائدا في مرحلة من التاريخ الحديث. من هنا كانت المحاولة لتقديم بعض الاقتراحات العملية لعدم السقوط بالفوضى، والتركيز على دولة المواطنة؛ وهي الدولة التي تحقق لشعوب المنطقة الاستقرار والطمأنينة والحرية والتعايش المثالي بين كل الفئات.
وعندما تفككت هذه الديكتاتوريات فتحت المجال لمشاريع واتجاهات متعددة؛ منها مثلا بروز ظاهرة «داعش» و«النصرة» وغيرهما. وهناك في المقابل أمثلة مشجعة مثل نموذج تونس، الذي يعتبر من الأمثلة الحية على ما كانت تطمح إليه الشعوب العربية في إطار الربيع العربي. لذلك نحن أمام خيارين: هل نريد «الدولة الفاشلة» وتفشي التشدد ورفض الآخر ونعيش تلك المشاهد البربرية التي عشناها ونعيشها؟.. أم نريد تحقيق أماني الشعوب العربية في إطار الربيع العربي؟!
* برأيك.. هل تصلح تركيبة لبنان ذي الطوائف المتنوعة لبناء دولة المواطنة؟
- لبنان ليس دولة طوائفية، بل دولة ديمقراطية تحقق نوعا من التعايش التوافقي والانسجام بين الطوائف، ولذلك فإن معظم القوى في لبنان تقول بالدولة المدنية، التي لا تعني على الإطلاق دولة ضد الطوائف، وإنما تحقيق الانصهار بين كل هذه الطوائف والتركيز على دولة المواطنة. وعلينا أن نجد الإطار الدستوري والمؤسساتي الذي من شأنه أن يسهل أو يدفع باتجاه هذا الانصهار.
* ماذا عن الانقسام اللبناني بشأن دخول حزب الله في الحرب داخل سوريا؟
- هذه المقاربة هي اختزال للمشكلة السورية، بينما المشكلة أكبر من ذلك، فهي ذات طابع استراتيجي أكثر مما هي صراع في سوريا. الصراع بدأ منذ أن بدأت إيران في نشر نفوذها؛ سواء أكان في العراق مع المالكي أم في سوريا من خلال حلفها مع بشار الأسد، أو في لبنان مع انتشار نفوذ حزب الله. وبدأت هذه الظاهرة تخيف العديد من السياسيين العرب بصورة عامة، وأتذكر أن أوّل من نبّه إلى ذلك هو الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وعقبه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، ومنذ ذلك الوقت بدأ التحضير لمواجهة المدّ الإيراني في المنطقة. وتحققت النبوءة بأن بدأت إيران تهدد بعض مناطق الخليج، وظهور الحركات الشيعية في بعض بلدان المنطقة. هذه هي المقاربة الصحيحة لما يحصل الآن إن كان في سوريا أو في العراق. وبالتأكيد أن تنظيم «داعش» ليست ظاهرة بريئة، أو مجرد حركات دينية انفعالية.
* ما هي انعكاسات الحرب في سوريا على لبنان بعد انخراط حزب الله فيها؟
- انعكاسات الوضع على لبنان مدمرة. صحيح أن بيئة لبنان ليست حاضنة لهذه الحركات المتشددة التكفيرية، والدليل على ذلك أن طرابلس تحتضن نخبا وقيادات ومجموعات كبيرة تقف في وجه هذا المد المتشدد؛ وكذلك الأمر في بعض المناطق الأخرى. لذلك فإن الانعكاس لم يتناول بعد النسيج الوطني اللبناني، ولو أن هناك خطرا في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
* ما هي أبرز التوجسات لديكم جراء الوضع السوري المتدهور؟
- الذي يخيفنا بشكل أساسي اليوم هو هذا الحجم الهائل من السوريين الذي وصل إلى لبنان، وقد بلغ مليونا ونصف المليون (أي كما لو أن هناك 16 مليون لاجئ يصلون إلى بريطانيا بصورة مفاجئة). هذا يشكل خطرا على صعيد المستقبل والنسيج الوطني اللبناني وعلى التعايش، كما يشكل اختلالا على صعيد الميثاق الوطني وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي والبنية التحتية في لبنان، وهي غير كافية لمتطلبات الشعب اللبناني، فكيف الحال مع وجود هذا الكم الهائل من النازحين؟
* ما هو برأيكم خطر التنظيمات المتطرفة على لبنان ومنها «داعش»؟
- هناك حركات متشددة كانت موجودة قبل تنظيم داعش، وقبل الحرب في سوريا بدأت في آخر التسعينات في مناطق في لبنان، كانت محصورة وواجهناها. إنما ما يخيفنا لو انتشرت وتوسعت ودخلت في النسيج اللبناني، وتمكنت من التسلل في خضم هذا الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه لبنان. حتى الآن الأرضية ليست حاضنة.
* هل تعتقدون أن المنحة السعودية للجيش اللبناني لشراء أسلحة من فرنسا قادرة على أن تعدّل ميزان القوى بين الجيش وحزب الله؟
- السعودية هي الشقيق المخلص والصادق للبنان منذ القدم، لا سيما في عهد الملك الراحل عبد الله، والأمر مستمر مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. فقد تعاطت مع لبنان بكل إخلاص وكرم، وبتجرّد. ولم تطلب يوما من لبنان أي بديل لهذا الدعم السخي ولهذه المساعدة.
الدعم السعودي مكّن لبنان على المدى الطويل من أن يصمد وأن يواجه المحن التي مرّ بها. وهذه المنحة هي من النماذج المعلن عنها، لأنه في الماضي كانت هناك مساعدات لا يعلن عنها، ولا شك في أنها ستمكن الجيش من أن يحقق نقلة نوعية في العديد والعتاد والجهوزية، خصوصا في مرحلة المعاناة الجديدة التي يواجهها لبنان بسبب النازحين وبسبب انتشار الفوضى والوضع العام للعالم العربي. ولا بدّ من مواجهتها في الدّاخل من قبل الجيش وقوى الأمن.
* هل تعتبرون أن التوزيع المذهبي للمناصب بحسب الطوائف تجاوز ميزان القوى السياسية في لبنان، خصوصا بعد الفراغ الرئاسي الذي يشهده البلد منذ مدة؟
- الفراغ الرئاسي لا علاقة له بالتوازنات الداخلية الطائفية والمذهبية، بل يعود من جهة إلى تعنّت العماد ميشال عون والاستمرار في ترشحه، رغم أنه لم يتمكن من الحصول على الأكثرية المطلوبة في مجلس النواب. ومن جهة ثانية لدعم حزب الله، الذي عطل النصاب في المجلس. هناك تلاقي مصالح بين العماد عون ودعمه من قبل حزب الله عطل الانتخابات والنصاب الذي هو مخالفة كبيرة للدستور، لأن المواد الدستورية هي من أجل تحصين الدستور وتحصين المؤسسات الدستورية، ولا يعقل أن تستعمل هذه المواد لتعطيل الدستور وتعطيل حسن سير المؤسسات اللبنانية.
عندما يصل المرشح إلى هذا الاستحقاق ولا يتمكن من أن يحصل على الأغلبية، فمن الطبيعي أن يعاد طرح الموضوع على الكتل البرلمانية ويحصل نوع من التشاور والتفاهم من أجل ترشيح شخص آخر. ونحن عكس كل الأصول الدستورية والتقاليد البرلمانية؛ أدى ذلك إلى تعطيل الدستور، الذي يشكل خطرا كبيرا على مستقبل لبنان ومؤسساته وعلى مستقبل الميثاق الوطني، لأنه الآن هناك رئيس حكومة سني ورئيس مجلس نواب شيعي، بينما رئيس الجمهورية الماروني غائب. وإذا تأقلمنا مع هذا الوضع نكون قد نسفنا مفهوم الميثاق الوطني وأرضيته المتفق عليها، وهنا مسؤولية كبيرة تقع على كل من يعطل الانتخاب الرئاسي، وكأنه يرمي إلى إعادة النظر في كل التركيبة اللبنانية.
* ألا تعتقدون أن استمرار الخلاف الماروني–الماروني أضعف موقع الرئاسة وربما سيطيح بحق الموارنة في الحكم؟
- لا أوفق إطلاقا على هذه المقاربة التي يطرحها بعض السياسيين لتحميل المسيحيين المسؤولية، وهذا غير صحيح، لأنه ومنذ الاستقلال اللبناني كان هناك صراع بين الموارنة. وفي كل الانتخابات كان هناك فريقان. واليوم الأمر ذاته بين «8 آذار» و«14 آذار». ولولا دعم حزب الله للعماد عون لما تمكن العماد عون من تعطيل النصاب، وهذا مستمر.
لا أعتقد أن هناك علاقات عاطفية بين عون وحزب الله، بل هناك مصالح مشتركة. إذن، مشكلة تعطيل الرئاسة ليست مسؤولية مسيحية، بل واقع سياسي في البلد بالمعنى الكامل تشارك فيه كل الطوائف. ويتحمل الجسم السياسي اللبناني بأسره هذا التعطيل وليس المسيحيين، لأن القرار ليس للفريق المسيحي بمفرده.
* وكيف تتحلحل هذه المشكلة؟
- لا بدّ أن يقتنع أولا العماد عون بأن هذا الموقف يشكل خطرا على اللبنانيين عامة وعلى المسيحيين بصورة خاصة، وأن حزب الله عليه أن يقتنع بأن موقفه غير منطقي، والأهم مصلحة الوطن ومستقبل المؤسسات وتعزيز الميثاق الوطني الذي يتخلخل بسبب الفراغ الرئاسي، وكل ذلك يجب أن يدفعه بحلول أخرى وبمرشح آخر.
* هل تعتقدون أن هناك حلا معقولا لمشكلة الرئاسة في لبنان على المدى القريب؟
- تمنياتي أن تحصل الانتخابات غدا، والتعاون مع بعضنا البعض بإمكانه أن يحقق أماني الشعب اللبناني. أمّا الواقع فهو «ضرب بالرمل»، ما دام هكذا تعطيل غير منطقي يتجاوز الدستور اللبناني، وعدم احترام التقاليد الديمقراطية والبرلمانية. ونأسف أن الأمر على حاله، ونأمل في أن يتفهم الجميع خطورة الوضع عليهم بالذات، لأن هذا الموقف موقف انتحاري لا يخدم العماد عون على المدى الطويل، ولا يخدم مصلحة حزب الله، لأنه في أمس الحاجة لهذه الشرعية اللبنانية. وإذا سقطت الشرعية سيكون هو من أوّل ضحاياها لأنها هي التي تحميه اليوم، فهو ممثل في مجلس النواب وممثل في الحكومة وفي كل المؤسسات، وبسقوط تلك المؤسسات تسقط مظلة الشرعية التي هو في أمس الحاجة إليها.