كلمة الرئيس أمين الجمّيل
في ذكرى إغتيال الرئيس رفيق الحريري
ساحة الشهداء، في 14 شباط 2010
* * *
أيها الاحباء،
أحييكم جميعاً... وأحيَي ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري،فروحه حاضرة معنا وإن غاب بالجسد.
فله ولكل شهداء لبنان الوفاء والاصرار على المضي في مسيرة النضال التي ساروا عليها وإستشهدوا في سبيلها .
لقد أحب رفيق الحريري لبنان ، كل لبنان
أحب شباب لبنان
أحب عاصمة لبنان
أحب كل مناطق لبنان
ورفع راية لبنان عالية في كل أقطار العالم.
دافع عن قضيته في كل المحافل الدولية ، فكانت النتيجة :
تضامن العالم معنا في محنتنا ودعمه لنا لاستعادة سيادتنا، وإقرار المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري وكل شهداء لبنان
ونحن في الكتائب نعرف تماماً معنى الشهادة والاستشهاد .
* * *
لم يكن إغتيال الرئيس رفيق الحريري يستهدف شخصه فحسب، بل كان القصد منه أولاً ضرب وحدة لبنان.
فلنتذكّر اللقاء الاول الذي جمعنا، مسلمين ومسيحيين، في البريستول، في قلب بيروت العاصمة، قبل أشهر قليلة من إستشهاده لنعلن معاً بصوت واحد تمسكنا بلبنان الواحد، الموّحد، الحرّ، السيّد والمستقل.واعتبر هذا اللقاء النداء السيادي الجامع الأول من أجل الحرية والكرامة. وكان هو التحدّي الكبير.
فجاء إغتيال الرئيس الحريري ليشكّل الجواب على هذا التحدي، وكان الزلزال الكبير الذي هزّ الضمائر في الرابع عشر من شباط 2005، وبعده الاتنفاضة الشعبية العفوية، من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال.
ظنّوا أن تغييبه سيمرّ كمن سبقه على درب الشهادة، ولم يحسبوا حسابا لتلك المشاعر الجيّاشة التي أطلقتموها، أنتم المحتشدون مجدداً هنا اليوم ووصلت أصداؤها الى أقاصي الدنيا.
إنتفاضتكم الوطنية غيّرت مسار الاحداث اللبنانية وأجّجت شعلة النضال، واظهرت أن إرادة الشعب اللبناني كبيرة من اجل الاستقلال والكرامة، فتحول إجتماع القيادات اللبنانية في 14 آذار 2005، وفي 14 شباط من كل عام ، الى بحر بشري ثائر في ساحة الشهداء وكل الساحات يصرخ ويقول :
نعم للبنان ...
نعم للحرية ...
ولا حياة لنا إلا بالعزة والكرامة والعنفوان.
وها نحن اليوم هنا لنؤكد مرة جديدة معكم وبإسمكم أن هذه الشعلة لم تنطفئ، ولن تنطفئ، مهما تغيرت الظروف ومهما عظمت التضحيات والتحديات .
فتحية لكم، أيها الحاضرون هنا، في ساحة الشهداء، ساحة الحرية، وفي كل مكان، تحيّة لنضالكم وإيمانكم المستمر بلبنان وإننا على العهد باقون ،وسنكمل المسيرة معاً... وننتصر معاً.
أيها الأحباء،
إننا ندرك حجم التساؤلات التي تدور في بالكم وبال جميع اللبنانيين ، وهي تساؤلات مشروعة ، وما حضورنا هنا اليوم إلا للتأكيد على ثبات مسيرتنا الوطنية وعلى الثوابت والمقدسات ، وأي متغيرات محلية أو إقليمية لا تغير لحظة في مسارنا الوطني أو في عزيمتنا للمضي في بناء الدولة القوية العادلة، وتعزيز الاستقلال، وإنجاز السيادة.
إننا نسمع تساؤلاتكم ونشعر بهواجسكم، ولا بد من خلق ديناميكية جديدة تعيد الثقة والايمان الى النفوس القلقة، وتزّخم حركتنا النضالية من أجل لبنان .
لا تخافوا ، فان إرادة الشعب هي دائما الأقوى، هكذا علمّنا التاريخ، وتاريخ لبنان بالذات. بالامس القريب إنتصرت إرادة الناس، إرادتكم أنتم، على الظلم والاستبداد، وكان الثمن غاليا بالتاكيد، لكن لا حرية ولا كرامة من دون ثمن .
سنظل نطالب بالسيادة ونعمل من أجل إنجازها، والسيادة عندنا ليست مجرد كلمة أو شعار، فنحن ندرك تماما معناها ونقدر مستلزماتها .
السيادة الوطنية هي أن يكون لبنان بأسره وال 10452 كلم 2 بعهدة السلطة الشرعية المنتخبة ديموقراطيا، وأن لا يكون على أرض لبنان أي سلاح غير سلاح الشرعية اللبنانية تحت أي ذريعة .
السيادة تعني أن تحتكر الدولة من خلال مؤسساتها الشرعية كل القرارات السيادية وفي مقدمها قرار الحرب والسلم والتفاوض. من هنا كان إعتراضنا على أحد بنود البيان الوزاري وكانت مراجعتنا أمام المجلس الدستوري. وهذا الاعتراض سيبقى للرأي العام وللتاريخ .
أيها الاحباء،
لقد شهدت الفترة الماضية تطورات جديدة على صعيد العلاقة بين لبنان وسوريا، والبعض يطرح سؤالاً مشروعاً عن موقفنا منها. لذلك نقول نحن مع قيام أفضل العلاقات بين لبنان وسوريا، وهذا النهج واظبنا عليه منذ سنوات طويلة، وندعم دولة الرئيس سعد الحريري، في كل الخطوات التي يقدم عليها لتحسين العلاقة بين البلدين، ولنا ملء الثقة بأنه لن يقدم إلاّ على ما يخدم مصلحة لبنان وكرامة شعبه وتضحيات شهدائه .
لكننا في المقابل نريد خطوات سورية واضحة ومحددة في الزمن لبت الملفات العالقة والتي تشكل إنتقاصا من سيادة الدولة اللبنانية، وتبقي الجرح اللبناني نازفاً، ولنا في التجارب السابقة مع سوريا خير دليل على أحقّـية مخاوفنا.
إننا نريد أطيب وأفضل العلاقات مع سوريا، وبالقدر نفسه نريد من سوريا أن تقتنع مرة نهائية أن لبنان هو كيان مستقل ودولة سيدة حرة ذات نظام مميز في هذه المنطقة، وأن تتعاطى معنا على هذا الاساس.
نريد من سوريا، ليس فقط القبول بفتح سفارة وإقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان، بل أداء ينطلق من المفهوم الدولي للعلاقات الندّية بين دولتين جارتين، سيّدتين ومستقلتين...
إننا متمسكون بمصالحنا الوطنية وحتمية حسن الجوار مع سوريا، لأننا على قناعة أن إستقرار لبنان من إستقرار سوريا والعكس صحيح، وأن أمن لبنان من أمن سوريا أيضاً، والعكس صحيح أيضاً.
إننا نقدر لدولة الرئيس الحريري جرأته وتعاليه على جرحه الشخصي لمصلحة لبنان ونطلب في المقابل من سوريا خطوات ملموسة على حجم هذه التضحيات.
أيها الاخوة والأخوات
نلتقي مجددا اليوم، للمرة الأولى بعد الانتخابات النيابية التي قلتم فيها كلمتكم الفاصلة وحددتم خياراتكم الوطنية وأثبتم مرة جديدة أنكم ثابتون في عزيمتكم للمضي في تحقيق أهداف ثورة الأرز وهي قيام الدولة القوية والسيدة والعادلة .
ولا شك أنكم كنتم تنتظرون حكومة تكون تعبيرا واضحا عن نتائج الانتخابات. إلاّ أن الظروف التي تعرفونها جميعا حتمت أن تكون الحكومة حكومة شراكة تضم مختلف الاطراف. والواقع حتى الآن أظهر تعثراً واضحاً في مواجهة وحسم الملفات العالقة لا سيما الاساسية منها، مما أوقع البلاد في حال المراوحة الخانقة وبات يتطلب معالجة سريعة .
من هنا أقترح أن يكون مؤتمر الحوار الوطني برعاية فخامة الرئيس وتعاون دولة رئيس الحكومة وكل القيادات الوطنية، مناسبة، ليس فقط لبحث الاستراتيجية الدفاعية، بل لاجراء مصارحة فعلية تطرح عمق المشكلة اللبنانية، لأن التسويات الظرفية ونهج التأجيل لم يؤديا سوى الى المزيد من الشلل والتعطيل على مستوى مؤسسات الدولة والشأن العام .
المطلوب برأيي مصارحة في العمق وطرح كل الهواجس والمخاوف لدى كل الفئات من أجل بلورة أسس المصالحة الفعلية، التي تشكل المعبر الحقيقي لبناء الدولة وحل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والمالية والحياتية.
أيها الاحباء،
14 شباط 2005 كان محطة مفصلية على طريق النضال الوطني، لكنها بالتأكيد محطة فاصلة وحاسمة على طريق تحقيق أماني الشعب اللبناني بالحرية والكرامة.
فعلى هذه الساحة بالذات، قبل 74 عاماً روى بيار الجميّل، مؤسس حزب الكتائب، أرض لبنان بدمائه دفاعاً عن سيادة لبنان وحريته بوجه الانتداب آنذاك.
ومن هذه الساحة نجدد اليوم العهد بأن مسيرتنا مستمرة لكي ينعم ابناؤنا بالرفاهية والحياة الكريمة، لأن من حقنا أن نعيش أحراراً في بلد الحرية.
وختاماً، أتوجه الى روح حبيبي بيار الذي تردد هذه الساحة صدى صوته المدوي لأقول له: لم تغب يوماً يا بيار عن بالي وبال جماهيرك ومحبيك وإن خطفك الغدر.
روحك النضالية باقية حية فينا ، ولنا في شهادتك ورفيقنا الغالي أنطوان غانم وكل شهداء الكتائب ولبنان حافزاً على النضال حتى تتحقّق الاهداف التي إستشهدتم من أجلها. فنحن شعب الحياة ونحن شعب الكرامة. هكذا خلقنا وهكذا سنبقى،
ليحيا لبنان.